يؤسفنا الحال و نحن نقوم بهذه القراءات من صميم الواقع و الحياة
العامة,و ان كانت هذه الأخيرة لازال يسكنها الخير و القيم و الانسان..
فان مسؤولية القلم الالتفات للسلوكيات الشاذة و تسليط الضوء عليها
و على آثارها الوخيمة في النفس أو المجتمع.و اذ نقول سلوكا شاذا نعني به
ما خرج عن المألوف و ما خالف القاعدة أو القياس و كان نادرا
فكيف يسكت القلم و ناقوس الخطر يدق معلنا ما هو أشد خطورة=
اتجاه هذه الندرة نحو التفاقم لتتكرر على مسامعنا حوادث اغتصاب
الأطفال,اغتصاب المحارم,زواج المثليين...
ليكون للمرأة نصيبها الوافر فيما يخص عدد ضحايا الأفعال الاجرامية
و المنحرفة,و ليس و هي في حالتها الطبيعية و السليمة فحسب,حيث يتم
استخدام القوة العضلية لمهاجمتها و تعنيفها و الحد من طلاقة فكرها..
أو سلطة اللغة و الكتابة للحط من قيمتها و انتقادها بشكل دائم منذ كان
للرجل السبق للخطاب المكتوب...
بل و للأسف الشديد لم تنج المرأة من المهانة و الجور حتى و هي تعاني من
مرض ذهاني و اختلال عقلي بما يعنيه من تفكك في الشخصية و عدم انسجام
الأفكار و اختلال و ظائف الجهاز العصبي و بالتالي فقدان القدرة على التكيف
الخارجي و من تم انعدام الصلة بالواقع و خلق عالم خاص خارج النظام المألوف
و رغم كل هذه المعاناة النفسية و العقلية التي تهيج مشاعر التعاطف و الرأفة..
و تدعو عبر نداء انساني الى رحمة الضعفاء في الأرض..الا أنه يتم استغلال
هؤلاء المغلوبات على أمرهن بأبشع الصور من طرف ذئاب بشرية.
ان المختلات المتشردات في الشوارع يتم تصيدهن و التربص بهن من قبل ذكور
لم ترتق عن مستواها الغريزي الحيواني و تشهد فراغا أخلاقيا و ثقافيا و انهزاما نفسيا
ليصبح الواحد منهم عبدا لشهواته,يمارسها على هؤلاء الضحيات مستغلا عدم قدرتهن
على فضحهم أو الوشاية بهم..
فمتى كان المرض العقلي مبررا للتعامل مع المرأة كشيء و صب النزعة الشريرة
و العدوانية في الموقف ازاءها ؟؟
بل لا يوجد أي مرض نفسي كان أو عقلي ينحي عن الانسان مشاعره و عواطفه..أو ينزع
منه قلبه و وجدانه,و ان عجز المصاب عن التعبير و الدفاع عن النفس الا أنه يتلقى
الاساءة بمشاعر مضاعفة,أي بكمية هائلة من الفزع و التحسر و الألم و الصدمة..
لكن أنى لمن غاب عنده الحس الأخلاقي و الضمير الانساني أن ينصت لتلك المشاعر
تضخم عنده الكبت و لم يصرفه من خلال فعل التسامي و الابداع و العطاء و الفعالية
الايجابية و لم يحصنه بسياج ديني..فصرفه بطرق مرضية مشينة
و هذه آفة من آفات مجتمعية كثيرة تعود أسبابها لغياب التربية الأخلاقية
المشبعة بالقيم و الحس التضامني و الترويج في المقابل لأعراف و تقاليد عقيمة تقوم على
التمثل الخاطئ للمرأة كموضوع للجنس و ككائن ضعيف يغري النزعة السادية
و يحيل الى الخطأ و النقص و يثير الرغبة في العقاب و الانتقام و ان لأسباب لاتعنيها.
عدم اكثرات الدولة بهذه الفئة و هضم حقوقها خاصة و هي تفتقد للوعي الذي يجعلها
تدافع عن كرامتها و حقها في العيش..فيتم اهمالها في الشوارع بحالتها الرثة التي تدمي
القلوب,عرضة لقساوة المناخ و قساوة كائنات الخفاء و الظلام..عوض ايوائها
و حمايتها من أشكل الظلم و التعسف,بل يتم السكوت عن كل منكر يلحقها..فهو
لم يلحق في نظر المسؤولين الا هذه المرأة الضائعة..و ماذا بعد ؟
لتجعلهم طريقة التفكير هذه و تجعل معهم كل من شبههم فيها يتساوون مع من
تعرض لها و ألحق بها الأذى.
أيضا ثقافة الممنوع في المجتمعات العربية تؤدي الى تكريس الخطأ و اعوجاج السلوك
و دخول مفهوم الجسد أو الجنس ضمن الممنوعات التي ينبغي السكوت عنها لما يشير
اليه من حرج و لاأخلاقية في التمثلات الواهية لهذه المجتمعات..فسح المجال لمن
يفتقد للعفة و الضمير الداخلي أن يسترسل في القاء شباكه و استغلال تلك الضعيفات
و حتى اللواتي لازال لديهن بيوت تأويهن لم يسلمن من وحشية الاغتصاب من قبل
الأقارب,حتى يظهر حمل تلو حمل و طفل تلو طفل..ليتشردوا مع أمهاتهن في الشوارع
بعدما تم اقصاؤهم جميعا و التبرؤ منهم..فأي ذنب ارتكبه هذا الطفل ليزداد في قمة
البؤس و التعاسة و الحرمان ؟ و قبله أي ذنب ارتكبته أمه التي رفع عنها ديننا الحنيف
القلم لمصابها الجلل و لم ترفعه عنها آلات بشرية ؟
و من أين جاء المجتمع بحل تدميري لا يناسب سوى نمط سكوته عن الحق
و قد أصبحنا نسمع عن استئصال المبيض أو الرحم و يتوهمون أنه حل للآفة
ماذا لو عادت المختلة عقليا لجادة صوابها و سألت عن رحمها ؟؟؟
بل لا يصح الا الصحيح,و الصحيح يكمن في معالجة الأسباب لا النتائج
في زرع القيم الانسانية ضد الظلم و هشاشة الفكر و الخلق و التمييز كيفما كان مصدره
بما فيه التمييز الجنسي في ظل مجتمعات ذكورية..حتى نؤسس لجوهر سليم
و بعدها ننظر لما هو عرضي فنقوّم ونسائل الخارجين عن القيم لا ضحاياهم.